قصة حينما تعوي الذئاب قصة قصيرة الجزء الرابع

تنفس صلاح الصعداء، رغم أنه شعر بالضيق لذلك وهو يسأل بصوت منخفض:

-ولم؟؟

-لا زلنا لم ننهي التحقيق

هز رأسه متفهما، وهو يفكر أنه ضاعت عليه خيوط كثيرة، كان سيعرفها من خلال حاجيات

هذه الفتاة، وهو يمد إليه تلك الكومة التي للحظات فقط كان يحكم قبضته جيدا عليها..

راقبهما وهما يقلبان فيها بلا اهتمام ثم مد احدهما يديه مصافحا إياه وكذلك فعل الآخر وهما

يقولان:

-شكرا لك سيدي على تعاونك

بعدما اختفيا عن بصرهما همس صلاح في حزن:

-لقد ضيعنا كل شيء

ضربه خالد على كتفيه وهو يقول:

-هيا بنا لقد تأخر الوقت

طال صمتهما وعلى نحو غريب في السيارة، حتى ارتأى خالد أن يقطع صمته سائلا إياه:

-أخبرني يا صلاح ما الأمر..؟؟

جلس صلاح على جانبه الأيسر وهو يضغط على كل حرف من حروفه، من شدة التوتر:

-اسمع يا خالد لازلت الآن لم أفهم شيئا، وقد كانت تلك الفتاة هي الخيط الوحيد لكي أفهم

جيدا ماذا حصل بالضبط..

ضحك بسخرية وهو يجيب:

-لقد سمعت ماتت بجرعة زائدة

صرخ في وجهه:

-هل رأيت الفتاة؟؟

قال بتردد:

-لا لم أرها يا صديقي

همس كمن يتحدث إلى نفسه:

-كانت بريئة جدا، وصغيرة جدا، لحد يجعلك تقسم أنها لن تفعل شيئا مشينا كهذا

"وعاد ينظر إليه وهو يقول" كم كانت ملابسها محتشمة لا أعتقد أن مثلها قد تكون

تتعاطى لأي نوع من المخدرات..

بدا الاهتمام على وجه خالد وهو يقول:

-فيما تفكر بالضبط؟

بدت الخيبة على ملامحه، وهو يجيب في تخاذل:

-بل قل فيما كنت أفكر، فلقد انكسرت جوانحي، ليتني عرفت أين تسكن فقط؟؟

ابتسم له خالد وهو يخرج من جيبه هاتفا محمولا ويقول:

-هل هذا يفي بالغرض؟؟

جحظ صلاح بعيونه وقد علته الابتسامة وهو يخطفه من يديه سائلا بحماس:

-من أين حصلت عليه؟؟

حك رأسه وهو يوقف سيارته أمام الحي ليلتفت له قائلا:

-أنسيت أني الذئب؟؟

ابتسم صلاح في فرح وهو يجيبه:

-فعلا اسم على مسمى..

-لقد لاحظت اهتمامك بالفتاة وقد عرفت أنك تخطط لشيء ما، لذلك حينما رأيت الشرطيان

قادمان إلينا، وأنت مشغول بخوفك ورعشتك، سحبت الهاتف من جيب بنطلونها، قلت ربما

قد ينفعك..

أحكم قبضته عليه جيدا وهو يقول:

-بالطبع سينفعنا كثيرا..

طوال الليل وسمرا تردد ما أوصاها به صلاح وخالد، وهي تطمئنهما أنها حفظت جيدا..

وأخيرا رن الهاتف..

تساءلت سمرا:

-ماذا هل أدعي أني نائمة أم مازلت مستيقظة

تردد صلاح في الإجابة لكن خالد قال:

-حاولي أن تكوني هادئة وسايري المتصل..هيا أجيبي

وقبل أن تضغط على زر الموافقة، ضغطت على البوق، حتى يتسنى إليهما سماع ما يقوله

المتحدث..

ارتعشت قليلا لكنها شجعت نفسها وهي تجيب:

-ألو

كان الصوت صوت شاب، لقد كانت تعلم مسبقا انه شاب وذلك من اسمه الذي تصدر شاشة

الهاتف لتسمعه يقول بنبرة هادئة:

-آسف يا عفاف

ارتبكت سمرا وهي لا تعرف ما تقوله، لكنها بفطرتها الأنثوية أحست أن هذا ربما يكون

حبيب الفتاة فغامرت بالقول:

-اسمع يا بكر لم يعد ينفع هذا..

توسلها قائلا:

-عفاف أرجوك سامحيني..

-آسفة يا بكر لقد آذيتني كثيرا..

"لم تكن سمرا ذاهبة بحسب خطة خالد وصلاح الذي كان يشير لها بحركات لم تعها، لأنها

أشاحت بوجهها عنه وهي تتابع" لا تتصل بي مرة ثانية..وقطعت الخط

كان الشرر يتطاير من عيني صلاح وهو يصرخ في وجهها:

-ماذا فعلت؟؟

أجابته بنبرة هادئة:

-اسكت إن هذا هو التصرف الطبيعي..سيعاود الاتصال

-كيف سيعاود الاتصال وأنت أخبرته ألا يتصل مرة ثانية؟

تأففت بنفاذ صبر وهي تقول:

-اسمع يا صلاح الشاب وكما يبدو أنه حبيب الفتاة..

قاطعها

- وكيف عرفت ذلك؟؟ ربما هو أخوها

قلبت عينيها في سخرية وهي تجيبه:

-ما هذا يا أخي هل ستفكر في الاعتذار لي في الثانية والنصف صباحا..؟

انفجر خالد ضاحكا وهو يجيب:

-لن يفعلها حتى في أحلامه

في حين تابعت سمرا تقول:

-لكن في المقابل من هي التي قد تتصل بها في هذا الوقت لتعتذر؟

أجاب خالد بخبث:

-ليلي حبيبة...

وتوقف عن الحديث حينما هوت عليه وسادة لتضرب وجهه، وصلاح يقول من بين أسنانه:

-تبا لك كم مرة علي أن أخبرك انه لو لفظت اسمها سأقطع لسانك

كمم خالد فمه بيديه بطريقة مسرحية، بينما تابع صلاح بجدية وهو يقول:

-وإن لم يتصل يا..

بتر كلمته حينما رن الهاتف مرة أخرى، أما سمرا فقد بدت التسلية على عينيها وهي تجيب

بتأفف مصطنع:

-ماذا يا بكر؟؟

كان صوته أكثر توسلا هذه المرة وهو يجيب:

-عفاف أرجوك فلتسامحيني، أقسم أني نادم على كل ذلك..أحبك كثيرا..

"همس خالد في أذن صديقه وهو يقول بسخرية:

-بريئة جدا، وصغيرة جدا..

بدا الضيق على وجه صلاح لكنه لم يجب بكلمة بل تابع يستمع لبكر الذي كان يقول"لكن يا

عفاف سيظل في الأول والأخير القرار لك وأنا سأنفذ كل ما تطلبينه..

بدأت تشعر سمرا بالارتباك، فبكر لم يمنحها شيئا، قد تعتمد عليه، وقد لاحظ ذلك صلاح

فحرك عينيه مرتعبا، من فكرة أن يضيع هذا الخيط الوحيد مرة أخرى..

-عفاف أجيبيني أرجوك

تنحنحت سمرا وهي تحاول بذلك أن تمنح نفسها مساحة لتفكر، قبل أن تقول:

-أخبرني بكل شيء يا بكر

تفاجئ قائلا:

-بما سأخبرك يا عفاف؟؟

ارتبكت سمرا وقد ضرب صلاح يدا في الهواء بينما أغمض خالد عينيه...

لقد أفسدت كل شيء..

أخيرا جاء صوتها هادئا نوعا ما وهي تقول:

-قلت لك اخبرني بكل شيء يا بكر علي أن أعرف كل شيء

تنهد بعمق وهو يقول:

-لقد سبق وتحدثنا في ذلك يا عفاف

-هل تعتقد أني صدقت كلامك؟؟

توسلها مرة ثالثة وهو يقول:

-اسمعي أقسم لك أن ما أخبرتك به سابقا هو الصدق..لقد التقيت تلك الليلة بالشلة..

وذهبنا إلى المرسى كعادتنا، لكني لم أشرب أبدا معهم ولم أتناول أي منشط يا عفاف

أقسم لك.

بعدما لم يأته صوتها فسمرا لم تعرف ما تقوله، قال بصوت هادئ:

-أحبك

احمرت سمرا خجلا رغم أنها تعلم جيدا أن الكلمة لم تكن موجهة لها، لكن مجرد سماع تلك

الكلمة تشعر الأنثى بمشاعر سعيدة، خصوصا إن قيلت بصدق وقد شعرت أن بكر صادق..

وبدون أن تشعر همست:

-وأنا أحبك..

ضحك بكر وهو يتساءل:

-هل سامحتني؟؟

-اجل بالطبع يا بكر

-حسنا حبيبتي نامي الآن وآسف لأني أيقظتك من نومك، ونلتقي غدا في نفس المكان

-حسنا تصبح على خير..

سألها خالد بسخرية:

-وأين ستلتقين به؟؟

ضربت سمرا جبهتها وهي تقول:

-اووه لقد نسيت هذا الأمر..

-حسنا المهم أننا علمنا شيئا على الأقل، علينا أن نفكر في الخطوة الثانية

نهض خالد الذي كان قد جلس لتوه على أريكة صغيرة كانت بجانب باب الغرفة، وهو يقول

في حزم:

-علينا أن نخطط جيدا للأمر...
العواء الثالث






-حسنا الآن هل اذهب للنوم؟؟

ابتسم صلاح بخبث لأخته وهو يقول:

-اذهبي وحسابي معك في الآخر

ارتبكت وهي تتساءل:

-لم؟؟ يا صلاح ماذا فعلت؟؟

ضحك وهو يسألها:

-من أين تعلمت كل هذا، ها اخبرني

وبدا يفتش ملابسها بينما هي كانت تضحك فقد شعرت

بدغدغة وهي تترنح وتقول:

-كفى يا صلاح..عم تبحث؟

-أين تخبئينه اعترفي

لم تستطع أن تهدأ من موجة الضحك التي اعترتها وأخوها يفتش عن شيء لم تعرفه إلا

حينما قال بعدما فشل في إيجاده:

-اعترفي أين تخفين هاتفك

علت ضحكاتها أكثر وهي تجيب:

-لا لقد جننت

-أنا جننت؟؟ أم أنت التي فاجأتني بكل هذا من أين تعلمت ذلك "وأضاف بخبث"هل تكلمين

أحدا ما؟؟

شعرت بحمرة الخجل تطفو على وجهها وهي تقول مدعية غضبها:

-حسنا يا صلاح أنا الملامة لأني وافقت على مساعدتك أنت وهذا الأحمق

قطب خالد حاجبيه ليقول:

-وماذا فعلت لك يا سليطة اللسان؟ ألا تحترمين الضيوف؟

ضحكت بسخرية وهي تلوح لهما قائلة:

-سأذهب لأنام و لا تتكلا علي غدا بحول الله إنها آخر مساعدة لكما مني..

وتركتهما يفكران فيما سيفعلانه..

-ألم أقل لك أن الفتاة كانت تتعاطى للمخدر؟؟

ضاقت عيون صلاح وهو يفكر في أمر ما قائلا:

-لا اعتقد ذلك يا خالد لقد سمعت كلام المدعو بكر، والذي كما يبدو أنها كانت غاضبة منه

لتعاطيه للمخدرات.."صمت طويلا ثم قال"لدي إحساس أن موت الفتاة له علاقة بموت

" أبو سكة ".

نظر خالد لساعته وهو يقترح:

-إنها الثالثة صباحا، سأنزل للمقهى قليلا، واعرف إن كان هناك من جديد في القضية..

ونلتقي في الدفن..

-حسنا تصبح على خير

ابتسم له خالد وهو يخرج..

أما صلاح فلم يستطع النوم، أبدا فقد كانت صورة الفتاة وهي تتخبط فوق اللوح، تمنعه من


ذلك، ماذا لو كان لها أهل يبحثون عنها الآن؟؟ لكن لم يتصل أحد بها عدا بكر هذا؟؟ هل حقا

تتعاطى للمخدر؟؟

كل هذه الأسئلة كانت تضج في عقله، وتمنعه من الإسترخاء..لذلك نهض من مكانه متجها

نحو غرفة أخته، فتح الباب بهدوء..

بدت له ملامحها الهادئة بفضل ضوء القمر الذي يسطع من نافذتها الصغيرة، لقد كان هو

المنظر الوحيد الذي يجعل من الغرفة جميلة، والتي للأسف كانت تطل على أرض خربة يتوافد

إليها كل المتسكعين ليلا وكذا اللصوص للإختباء من الشرطة بين خرد السيارات وصناديق

البنزين الكثيرة والفارغة التي يحتاجها عادة أولاد الحي في فترة عيد الأضحى لتشتعل

نيرانها ويشوى عليها رؤوس الأكباش، والتي يتقاضى الشاب على كل رأس عشرة

دراهم.

سحب بخفة الهاتف النقال من تحت رأسها، وخرج من الغرفة على رؤوس أصابعه..

بعدها مر على غرفة والدته التي كانت تئن وهي نائمة، وقبل جبينها ليتمنى لها الشفاء

العاجل، أما غرفة أنور فهي مغلقة بالمفتاح كعادته لم يبت ليلته هنا، دخل لغرفة

الجلوس ورمى نفسه على أريكة جلدها أسود، مريحا قدميه على طاولة صغيرة أمامه

توجه لقائمة المتصلين واستغرب، حيث لم يكن هناك إلا ثلاث أشخاص "بكر" و

"جميلة"و"نوفل"لم تمنحه تلك القائمة أي معلومة عنها اللهم إلا أنه لا يوجد لها

أشخاص كثيرين في حياتها، فضغط على الرسائل بصندوق الوارد، كانت سبع رسائل فقط

هي الأخرى..

قرأ الرسالة الأولى وكانت من جميلة والتي تقول جوابا على رسالة عفاف:

-اسمعيني جيدا كم مرة علي أن أخبرك أنه لم يتناول شيئا، لقد أقسم نوفل على ذلك عدة

مرات لي، عفاف انتبهي جيدا لتصرفاتك..

استغرب ماذا تقصد بانتبهي جيدا لتصرفاتك؟؟

انتقل للرسائل في صندوق الصادرات وهكذا سيقرأ أولا ما كتبته عفاف، ويقرأ الرد

حتى يتسنى له معرفة إحدى خيوط هذه القضية..

نظر أولا للساعة إنها الرابعة والنصف ولم يغمض له جفن أبدا..

-جميلة كيف حالك؟؟ اسمعيني لقد تشاجرت مع بكر، ليلة أمس وأقسم هذه المرة لن أعود

إليه ولو اضطررت لقتلت نفسي حتى امنعها من العودة إليه..آه لقد آلمني الأمر

كثيرا، اكتشفت أنه لم يكتفي بشرب الخمر، بل زاد عليه الكوك..

-كيف عرفت ذلك؟؟ هل أنت متأكدة أم ربما هي إشاعة؟؟

-أنا متأكدة جدا، لقد وقع أمس في المباراة مغشيا عليه وحينما حمل للتطبيب وجودوا أنه

تحت تأثير جرعة زائدة من المخدر ولولا أن تم إنقاذه لكان قد مات وحينما واجهته بالأمر

نفى ذلك وأقسم انه لا يعرف كيف وصل المخدر لدمه؟؟أرجوك اسألي نوفل عن الموضوع


-حسنا لقد أرسلت رسالة لنوفل ولم يرد علي للآن، اسمعي حبيبتي أعتقد أنه صادق رغم

أن الأمر غريب لكن أنت تعرفين طبيعة بكر لا يمكنه أن يكذب عليك..

لم تجبها عفاف فقرأ رسالة جميلة إليها والتي كانت تقول فيها:

-صباح الخير، كيف حالك؟؟ لقد أرسل لي نوفل رسالة وقد أقسم هو أيضا أن بكر صادق

ولم يكذب عليك والأمر كما شرحه لك أجيبيني أرجوك..

لم تحصل على رد أيضا منها فكتبت ثلاث رسائل تحثها كلها على الإجابة قائلة:

-أرجوك عفاف لا تقلقيني عليك أجيبيني..

هذه المرة كتبت عفاف تقول:

-لقد أخذت قراري ولن أرجع عنه وداعا يا جميلة..

ردت عليها جميلة بتلك الرسالة التي كان قد قرأها في البداية، وعاد يقرأها مرة أخرى:

- اسمعيني جيدا كم مرة علي أن أخبرك أنه لم يتناول شيئا، لقد أقسم نوفل على ذلك عدة

مرات لي، عفاف انتبهي جيدا لتصرفاتك..

لم تزده تلك الرسائل إلا حيرة على أخرى، هل انتحرت؟؟

لم يشعر بنفسه إلا وسمرا توقظه في السادسة صباحا بلطف كعادتها:

-أخي انهض ستتأخر

تثاءب وهو يمدد عنقه، وذراعيه التي تقلصت عضلاتها، ثم قال بصوت متقطع:

-صباح الخير

ابتسمت له وهي ترتب المكان من حوله:

-صباح النور

-هل جهزت الغذاء يا سمرا؟؟

-اجل إنه في المطبخ،لقد حضرت لصديقك فقط

-شكرا لك فأنا سأطلب الإذن اليوم..

-حسنا لكن اسمع عليك أن تحضر معك بعضا من التوابل لقد انتهت، وقد وضعت

الورقة لك في سلة الأكل..

أجابها بتأفف:

-أصبحنا ولله الحمد

ضحكت وقد فهمت المعنى الذي يرمي إليه..

غسل وجهه ولم يهتم لتغيير ملابسه التي نام بها، واخذ بعضا من الخبز الحاف وكوب من

الشاي الساخن وبعدما فطر حمل سلة الأكل وودع أخته ووالدته التي كانت قد صحت

لتوها..وخرج.

نزل إلى الحي، يبدو أن أحدا لم ينم ليلته، فموت أبو سكة أثار تخوف الجميع، وبدأت

الإشاعات في التكاثر كالطفيليات في جسم الحيوان الميت..

وأصبح كل متفلسف يتفلسف حسب مزاجه، كانت قد جهزت الكراسي المخصصة للجنائز

ونصبت الخيمة الكبيرة وفرشت الزرابي، ورصت الموائد ووضعت عليها، صحون صغيرة

من الزيتون الأسود المملح، وقطع الزبدة، والعسل والخبز وصواني القهوة وكان كل من

يمر، للتعزية يدخل للخيمة لتناول الفطور..إنها عادات كل الناس هنا..في الجنائز لا ترفع

أبدا صحون الزيتون والعسل والزبدة من فوق الموائد طوال اليوم..والتي يتم تجهيزها من

قبل الجيران، هنا في الأحياء الفقيرة، والذين يتضامنون في السراء والضراء.

كان خالد واقفا كعادته طوله الفاره، وجسمه القوي يجعله مميزا أمام الجميع، اتجه نحوه

صلاح ليهمس في أذنه قائلا:

-هل دفن؟؟

-لا لا تزال الجثة في المستشفى بالعاصمة وبعد الظهر سنأخذها إلى الصويرة مدينته

الأصلية..

هز رأسه متفهما ثم سأله:

-من اهتم بالجنازة؟؟

التفت إليه خالد وقد كانت دموعه متحجرة في عيونه:

-رجال الذئب لا يتكفل بهم إلا الذئب يا صاحبي..

عانقه صلاح بقوة وبصمت..

تقدمت عائشة نحوهما، وهي ترتدي جلبابها وتحجب شعرها بطرحة لتتساءل في خفوت:

-ألم يذهب أحد من الرجال للسوق؟؟

تنهد خالد وهو يجيب:

-لقد ذهب ابن الحاج أحمد وأيضا مصطفى "ونظر لساعته وتابع يقول"لا تقلقي سيعودون

بعد قليل..

ابتسمت في خفوت وهي تقول:

-حسنا أخبرهم أن يجلبوا الخضر إلى بيت فاطمة العرجاء..

-حسنا..

بعدما ذهبت التفت صلاح قائلا :

-اسمع سأذهب بالغذاء لصديقي كريم فأنت تعلم ليس هناك من يعتني به، وسأطلب من

رئيس العمل إجازة ليومين..

استغرب خالد وهو يقول:

-ستجلس يومين؟؟

ربت على كتفه وهو يقول:

-أجل يا صديقي وربما أكثر..

توجه إلى عمله مشيا ذلك الصباح، كعادته طبعا، لكن الآن الساعة السابعة مما يعني أنه

سيصل في الثامنة إلا ربع كأقل تقدير..

ابتسم لذلك الرجل الذي يدعي انه أعمى ويتجول في الطرقات يتسول ويستعطف قلوب

الموظفين والتجار وحتى الطلبة، والذين على رأيه لا يتكرمون عليه بالدراهم إلا في أوقات

الامتحانات، رد الرجل ابتسامته وهو يلقي عليه التحية قائلا:

-كيف حال المهندس؟؟

-بخير..وأنت أيها الأعمى؟

أبان عن أسنانه المسوسة وهو يجيب:

-الحمد لله على كل حال

ضحك منه وتابع سيره، غريبة هي الحياة، مثلا هذا الرجل الذي سمعتموني أتحدث إليه،

إنه من أبناء حيي كان في الجيش قبل أن يتقاعد قضى هناك أزيد من خمسة وعشرون سنة

وأثناء الخدمة العسكرية كان يتقاضى حوالي ألفين وخمس مائة درهم أي بما يعادل مائتي

وخمسين أورو، متزوج وله سبع أبناء أكبرهم الآن يبلغ الثلاثين من عمره وهو ياسين

هاجر لاسبانيا منذ أزيد من خمس سنوات ولم نسمع عنه شيئا..وبعدما انتهت مدة خدمته

وأحيل على المعاش، تركت له الدولة مبلغا يقدر بنصف راتبه الذي كان يتقاضاه..

ومرض السكري الذي أصابه، وأربع بنات لم يبلغن سن الزواج بعد، أما الذكور فالكبير

إرسال تعليق

أحدث أقدم